الدكتور محمد أكرم عظيمي/ تظهر التطورات الأخيرة في السعودية أن حكومة البلاد تبحث عن تغييرات جذرية لاحياء صورتها العالمية، و لو أدت هذه التغييرات إلى صراع واضح مع الهوية الإسلامية.
إن وتيرة الابتعاد عن الإسلام باعتباره الهوية الرسمية للمملكة العربية السعودية تظهر بوضوح في التصرفات الأخيرة لهذا البلد.
من الممكن مشاهدة هذه المواجهة با على درجة في أعمال مثل استعراض الأزياء في الرياض، والتي ارتبطت بإهانة الأماكن الإسلامية المقدسة، بما في ذلك الكعبة. و لم تثير هذه التصرفات ردود فعل سلبية من مسلمي العالم فحسب، بل تظهر أيضا عمق التغييرات التي خططهاالبعض في هذا البلد لتغيير المسار التاريخي للمملكة العربية السعودية.
تحاول هذه السياسات الجديدة إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولا، خلق الفصل بين الهوية السعودية و تاريخها الطويل في دعم الإسلام، و بالتالي، اكتساب دعم الغرب باعتباره الحليف الرئيسي في المنطقة.
بعد أن أدرك بعض المسؤولين في هذا البلد أن تغيير صورة المملكة العربية السعودية كدولة دينية ومحافظة سيستغرق الكثير من الوقت، قرروا تسريع هذه العملية بإجراءات جذرية و متطرفة للغاية. و نتيجة لذلك، أصبحت هذه المواجهة المفتوحة مع الهوية الإسلامية، أكثر من أي شيء آخر، أداة لتغيير صورة السعودية في الرأي العام العالمي بشكل فوري. ومع ذلك، فإن هذا المسير الجذري لن يسبب تغييرات دائمة في المملكة العربية السعودية فحسب، بل سيؤدي على الأرجح إلى ردود فعل سلبية قوية في العالم الإسلامي، و خاصة الشعب المسلم في المملكة العربية السعودية.
ويحاول البعض جعل المملكة العربية السعودية حكومة علمانية و يعتقدون أن هذا التغيير يمكن أن يساعد في تعزيز هيمنتهم. لكن التجارب التاريخية للدول الإسلامية التي ضربت طريق العلمانية تظهر أن هذا النهج تخلف تتبعات سياسية و اجتماعية وخيمة على مؤسسيه في المجتمعات الإسلامية.
و يمكن رؤية مثال واضح على هذا النوع من التطورات في تاريخ دول مثل أفغانستان و إيران. أدت الإصلاحات التي أراد الشاه أمان الله خان و شاه إيران القيام بها إلى اهباط و تدميرهما في أفغانستان و إيران.
اما بخصوص المملكة العربية السعودية، حتى لو تمكنت هذه الدولة من تطبيق العلمانية بنجاح دون معارضة كبيرة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه في المجتمع العلماني، فإن الأشخاص و الجماعات الذين يريدون الحكم سيبحثون بطبيعة الحال عن اشخاص تنضم هويتهم المهنية و اجرائاتهم في اطار المجتمع العلماني والقيم الحديثة و في هذه الحالة، لا يمكن للأشخاص الذين لديهم سجل ممتلْىء بالتطرف او التطريف أن يحظوا بتأييد عام في مجتمع علماني.
مهرجان "موسم الرياض" الترفيهي لمدة ثمانية أيام تحت شعار "أكبر مهرجان خريفي ترفيهي في العالم" - يضم "معرض أزياء" و"حفلات موسيقا" و"أمسية شعرية" و... - انطلق منذ أربعة أيام في الرياض، الأكثر رواجا المهم أن هدفها هو "التدنيس غير المسبق" و"إستهتاك الأماكن و الرموز الإسلامية المقدسة" (مثل بيت الله).تزامنا، مع احتزان المجتمع الإسلامي لما يقرب من 50 ألف شهيد في غزة، و افتقاد المواطنين اللبنانيين، صاحب علامة إيلي صعب - وهو أحد أهم ضيوف مهرجان موهان هذا - 3000 شهيد في ظل هذا الحدث. قصف الكيان الصهيوني، وأحياناً من الخيام، كما أن من يديرون رؤوسهم محرومون.
لكن هذه ليست النقطة الأكثر إثارة للجدل حول هذا المهرجان. وبينما توقع الجمهور كعادته أن يكون هذا الحدث العلماني يمزج بين الحداثة و التقاليدالإسلامية و البدوية، لكن الأمر لم يقتصر على عدم وجود أخبار عن مثل هذا المزيج، بل تجاوت إدارة الترفيه السعودية إلى أبعد من ذلك و حولت المشهد إلى مواجهة مع أهم رمز للإسلام، الكعبة لقلق لجزء كبير من الرأي العام السعودي حيث تفاعلوا معها بشكل سلبي و قد و صفوا الوضع الموجود لهذا البلد بأنه عودة إلى عصر الجاهلية و الكفر.
كمالا يمكن تحليل هذه الحركة الجذرية و غير المسبوقة دون النظر إلى أهدافها. إن الأهداف التي أظهرتها تجارب مماثلة في بلدان إسلامية أخرى، لم تحقق النتائج المطلوبة من المنظمين فحسب، بل كانت لها أيضا تتبعات اساسية.
حيث بذل محمد بن سلمان منذ تولى مقامه جهودًا مضنية لإحداث تغييرات جذرية و نزع أسلمة السعودية وقيادة هذا البلد نحو الفساد، تماشيًا مع التيارات الصهيونية الشيطانية، و مؤخرًا أقام حفلات مختلطة، و دعوا المطربين الأمريكيين، و على ومن جانب اخر، فإن اعتقال المئات من علماء الدين و خطباء المساجد مثال واضح على هذه القضية.
و تظهر تجارب مماثلة في بلدان أخرى أن خيار المسارات المتطرفة لن يؤدي فقط إلى تثبيت هيمنة الحكام، بل سيؤدي أيضا إلى أزمات داخلية و تطورات غير متوقع و بالتالي اهباط الحكام.