وكالة صدای افغان للأنباء (آوا) – مشهد المقدسة: بمناسبة حلول شهر محرم الحرام وبداية العشرة الأولى من عزاء سيد وقائد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، أقيمت مراسم الليلة الثانية من محرم بتنظيم مكتب مركز الأنشطة الثقافية والاجتماعية تيبيان أفغانستان في مشهد المقدسة بحضور جمع من عشاق أهل البيت عصمت وطهارة عليهم السلام وكلمة حجت الإسلام والمسلمين السيد عيسى الحسيني مزاري في حسينية الشهيد مصباح (قدس سره).
في مستهل كلمته، قال الحسيني مزاري: “الهدف من إقامة مجالس حسينية هو تجديد العهد بقيم الإمام الحسين (عليه السلام)، وسنصل إلى هذا الهدف عندما نعمل على بناء أنفسنا، وتزكية النفوس، والتقدم في مسار التسامح الذاتي؛ وإلا فإن ادعاءنا أن نكون حسينيين لن يكون له أثر ملموس إذا لم نكن مؤمنين فكرياً وعملياً.”
وأضاف رئيس مركز تيبيان: “يمكن لأولئك الذين هم مؤمنون، غير ملوثين بالذنوب، أو الذين إذا ارتكبوا معصية فاستغفروا وتابوا وعادوا، أن يسيروا في درب أهداف الحسين (عليه السلام) ويعاهدوه من جديد.”
ثم قرأ الآية “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا” من سورة نوح، مبيناً أن سورة نوح (الآيات من 10 إلى 12) تتحدث عن الاستغفار. وتابع: “حقيقةً، وفقاً لآيات القرآن وأحاديث الأئمة عليهم السلام، للمعصية والذنب آثار سلبية جدّاً على حياة الإنسان. فالكثير من المشاكل والمعضلات تعود إلى الذنوب والمعاصي التي يقع فيها الإنسان.”
وأكد على آثار الذنوب قائلاً: “ذُكرت آثار الذنوب في القرآن، وهي خلاصةٌ في: أولاً، نزول البلاء والعذاب الإلهي على الفرد أو المجتمع المرتكب للذنب. ثانياً، ظلمة القلب، ولو ظُلم القلب وخلاّ من النور الإلهي، تحدث مشاكل عديدة. ثالثاً، فقدان النعم—كالصحة والأبناء والرزق وغيرها. رابعاً، فقدان رحمة الله. وخامساً وأخيراً، التغير في المصير، وظهور الفساد على وجه الأرض.”
وأنّه “في نصوص الأحاديث أيضاً ذُكرت آثار الذنوب: أولاً، ضعف الإيمان وفقدان النورانية؛ فالمتدينون صلاةً وزوراً هم عنصر نوراني، حتى وإن لم يكن مظهرهم جميلاً، إذ تشعر بهم كمتدينين. وثانياً، صعوبة الحياة وحرمان الشفاعة؛ وثالثاً، اللعن الإلهي الدائم.” وأضاف: “في رواياتٍ عدة يُذكر أن نسبة كبيرة من الوفيات—أكثر من 50٪، وبعضها يصل إلى 80٪—هي نتيجة الذنب لا وفاة طبيعية، لأن الذنب يختصر حياة الإنسان.”
وأشار إلى “أن الدعاء لا يُستجاب إذا كان الشخص مذنباً، حتى لو ذهب إلى الحرم أو صلى الليل أو النهار، دعاؤه لا يترافق مع الاستجابة. ومن آثار الذنب أيضاً النزول بالبلاء.”
ودعا إلى البحث والتأمل في آثار الذنوب وبيّن أنه “إذا أردتم تحسين حياتكم، أو أن تكونوا قريبين من الله، أو تكونوا ذوي عز وقوة، أو تزول عنكم صعوبات وآثار الذنوب، فاستغفروا ربكم، فهو غفور رحيم، وستُفتَح لكم أبواب للآخرة.”
وأضاف: “بعد الاستغفار والتوبة، يقول الله تعالى: ‘يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِّدرارًا وَيُمِدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات وأنهارًا.’ فإذا استغفرتم، سينزل عليكم المطر، وتنشأ الأنهار والبساتين ويُبارك لكم في المال والأبناء.”
وأكد أيضاً: “الاستغفار فعّال جدّاً في الحياة، وقد ورد في القرآن—مباشرة أو بشكل غير مباشر—حوالي 68 آية حوله، ليهدي الناس ويحسن أحوالهم ويساعدهم على النجاة من ضيق الحياة.”

وذكر بعض الآيات مثل: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَلفَتَحنَا عليهم بركاتٍ من السماء” و"ظَهَرَ الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"، مفيداً أن سورة نوح تكرر الاستغفار ثلاث مرات (آيات 3، 7، 10) مما يبيّن أهميته.
وبيّن أهمية تزكية النفس والعمل على التحضير وتحقيق أهداف مجالس العزاء. وأضاف: “ليالي محرم مناسبة جداً للعمل في هذا الطريق، فاحرصوا على حضور مجالس العزاء للاستفادة من المواعظ والتوسل، ليتقبل الله أعمالنا في هذا الطريق حتى آخر أيامنا.”
واختتم: “إذا خرجنا من الدنيا مؤمنين، نُمدح بالشهيد، والشهادة ليست حصراً على ساحة الجهاد، بل أي مؤمن متمسك بمعتقده يموت، يُعتبر شهيداً.”
وقال: “أيها الإخوة! من أجل رفع بلاءاتنا ومشاكلنا، يجب علينا أولاً أن نبعد عن المفاسد والذنوب، وإذا زلّ بنا، نستغفر ونطلب التوبة.”
وشدّد على “أن هذه المشاكل والضغوط—في مجتمعنا وفي إيران ومهجرتنا وكافة الصراعات—يمكن حلها بالدعاء والتضرع والتوسل والتوكل والتزكية الذاتية.”
وأردف: “يجب أن نكون دوماً في استغفار مستمر وننبذ الذنوب لنُرضي الله ويصرف عنا المشاكل.”
ثم تحدث عن المهاجرين قائلاً: “رغم أنني كثيراً قررت ألّا أتحدث في هذا الموضوع، لكن لما أرى الأوضاع، أخشى أن يُحاسبنا الله يوم القيامة، لذا يجب أن أقول شيئاً.”
وأضاف: “في إيران اليوم عملية طرد غير المسموحين جارية بقوة، ووفقاً لوسائل إعلام أفغانية، الأسبوع الماضي تم ترحیل نحو 100 ألف مهاجر من إيران، ودخلوا أفغانستان. وهذا بطبيعة الحال يُسبب مشكلات؛ خروج عشرات الآلاف دفعة واحدة سيخلق مشكلات للمهاجرين أنفسهم وللحكومة والشعب.”
وأوضح موقفه من الهجرة: “أنا دائماً قلت إنني ضد الهجرة. فهل وطن الإنسان فندق ينتقل بينه؟! إذا لم تُقدّم الدولة خدمات جيدة، ننتقل من فندق إلى فندق؟! إذا لا توجد مشكلات، فلا داعي للهجرة.”
قال حسيني مزاري: «لقد دوّنت عدداً من الآيات في هذا السياق، لكن بسبب ضيق الوقت لا يمكن الإحاطة بها جميعاً. فعلى سبيل المثال، قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ إحدى هذه الآيات، وأيضاً ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ التي تبيّن أنَّ الفساد والمشكلات في اليابسة والبحر ناشئة عن أعمال الناس».
وأضاف رئيسُ مركزِ تبيان: «في سورة نوح المباركة، ورد الاستغفار ثلاث مرات—من بدايتها حتى الآية العاشرة—ففي الآية (3): ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾، وفي الآية (7): ﴿دَعْوَتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾، وفي الآية (10): ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾. وهذا يدلّ على عظمة مكانة الاستغفار وتكرار التأكيد عليه في القرآن».
وأشار إلى أهميةِ «العمل على تزكية النفس وسَيرِ طريقِ الاصلاح الذاتي، والتحضير لتحقيق أهداف مجالس العزاء وتجديد العهد مع قيم الإمام الحسين (عليه السلام)».
وتابع: «ليالي محرم فرصٌ مواتيةٌ للسعي في هذا الطريق، فعلينا الحرص على حضور المجالس والعزاء للاستفادة من الوصايا وأقوال الخطباء، وفي الوقت ذاته التوسل بأهل البيت (عليهم السلام) وبإمامنا الحسيني (عليه السلام)، ليسدّدوا خطانا، وينوّروا دروبنا، ويعينونا على الثبات والاستقامة حتى نلقَى ربّنا على منهج هذا المذهب».
وأضاف: «إذا خرجنا من الدنيا مؤمنين، فسوف ينال بعضنا مقامَ الشهادة. ولا يقتصر ذلك على من يقاتل في ساحة الحرب، بل المؤمن المتمسك بعقيدته ومذهبه وإن مات منتحفاً تحت لحافه، فهو شهيد».
ودعا الإخوة قائلاً: «أيها الإخوة، على الأقل من أجل دفع البلاء عنا، ومحاولة حلّ مشكلاتنا، علينا أولاً أن نتجنب المفاسد والذنوب، وإن زللنا خدْشاً بغير قصد، فلنستغفر الله ونتوب إليه».
وأضاف: «لا سيما في هذه الظروف العصيبة، ما في مجتمعنا وأفغانستان، وفي إيران، وفي ساحة الهجرة، يشهد صراعات وجنات، وهذه كلها يمكن أن تحل بدعائنا، وبتضرعنا، وبالتوسل، وبالتوكل، وبالعمل على تزكية أنفسنا».
وشدّد على ضرورة الاستغفار قائلاً: «فلنكن دوماً في حالة استغفار مستمر، ولنندم على ما فعلناه من ذنوب، فإننا بذلك نرجو من الله أن يرفع عنا المصاعب».
وعن موضوع المهاجرين قال: «كنتُ أتردّد كثيراً في الخوض بهذا الكلام، لكن حين أرى ما يحدث هذه الأيام، أخشى أن يُحاسبنا الله يوم القيامة إن لم نُحرك أقلامنا. لذا سأُثري النقاش بدقائق حول قضية المهاجرين».
وأوضح أن إيران اليوم تنفّذ طردَ المُهاجرين غير النظاميين بصرامة، مشيراً إلى تقارير أفغانية تُفيد أن «مئات الآلاف—نحو مئة ألف—رحّلوا الأسبوع الماضي فقط من إيران إلى أفغانستان، وهذا بالطبع مشكلة كبيرة لأفغانستان. عندما يعود عشرات الآلاف دفعة واحدة، فإنّ همّ المهاجرين يزداد وهمة الحكومة والشعب تتثقل، وهو أمر مؤلم للغاية».

وعن موقفه من الهجرة، أوضح: «أنا ضدها دوماً. قلتُ في أنحاء أفغانستان خلال خطب عديدة: لا تهاجروا! أليست بلادنا فندقاً ننتقل بين غرفه؟! إن لم تُقدّم الدولة خدمات كافية، فلماذا نرحل؟! إن لم تكن هناك مشاكل جوهرية، فليس ثمّة حاجة للهجرة».
وأضاف: «نعم هناك بطالة، وهناك إهمال، وهناك مشاكل في أفغانستان، لكن علينا أن نبقى ونبني وطننا بالعمل والجهد، حتى نحفظ مكاننا. إن تغيبنا، يحلّ محلّنا غيرنا. وإن لم نكن، فهل ينام وطننا؟! لا! يعيش فوق ثلاثين مليوناً، بل قريباً من أربعين مليون نسمة، لهم ذات الحقوق والكسب».
وأردف: «لذا أرى أن الهجرة مستقبلاً لا مبرر لها، ولم يكن ينبغي أن تُقدم عليها، خصوصاً بعد انتصار الجهاد، رغم أن مجاهدينا لم يديروا الأمور كما ينبغي فغابت الإدارة وتعثّر الوضع. أما اليوم فالمهاجرات والرحيل غير مجديين».
وأكد: «نحن لا نعارض ترحيل المخالفين القادمين إلى إيران بلا تصاريح، ولعلّ طرد من ليس له وثائق نوع من التنظيم الأمني. لم نرفض من الأساس حقّ الجمهورية الإسلامية في الحفاظ على أمنها وترحيل من هو غير نظامي. لكنني أقدّم توصية: لا ينبغي أن يكون الطرد جماعياً بهذا الشكل، وألف معتقل في كل شارع وحي وميدان، أو أن نطرد مئة ألف خلال أسبوع. هذا غير مقبول».
وأكّد أن الطرد الجماعي بهذا الشكل غير مدعوم وسندعو المسؤولين إلى تعديل سلوكهم، لأن هذا الطرد، أحياناً غير منظم—يُلقى الناس في الانتظار، ويُكلفهم أموال النقل، ويتركهم يُحمّلون هموماً إضافية، ويترك أثراً سلبياً لدى الناس تجاه الأفغان».
وأضاف: «إيران بلد نحبه ونحترم نظامه، ودعمتنا في وقت الجهاد وقفت معها الجموع والحكومة والشعب والمؤسسات. المهاجرون أنفسهم كانوا يصلّون ويدعون لأمنها ونصرها. الشعب الأفغاني مساند لها».
واختتم قوله بالتأكيد على أن «الطرد ينبغي أن يكون تدريجياً بما يُتيح للناس تسوية أوضاعهم، واستلام ما بذمّتهم من مستحقات، أو استرداد وديعة السكن وما إلى ذلك، مع الحفاظ على كرامتهم الإنسانية، بما يحفظ العلاقات بين الشعبين، ويجنّب تداعيات سلبية على النِظم».
ثم طرح اقتراحات تشمل: تسهيل إجراءات المهاجرين النظاميين، مثل تفعيل خطوط الهاتف، وفتح فرص التعليم والتحصيل للأبناء، وتسهيل العمل والمشاريع للمهاجرين وأصحاب الأعمال، ومنع منعاً باتاً منع أصحاب المحلات من العمل ضمن دائرة ثلاث كيلومترات حول الحرم الشريف، والحفاظ على مكانتهم إن كانوا من المخلصين المعروفين.
كما دعا أكثر إلى الاعتراف بالجنسية لأولئك المولودين في إيران—20 أو 25 عاماً—متزوجين ولهم أبناء، ومنع ترحيلهم إن لم يذهبوا طوعاً. وأشار إلى ضرورة توفير عمل في أفغانستان لمحافظتهم على نسبهم.
كما نادى بتحريك المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة، لتقديم الدعم المالي والمأوى للمهاجرين العائدين إلى الحدود، وكذلك لتخفيف الضغط على بعدهم من خلال مشاريع تشغيل مستدامة في الداخل الأفغاني، لأن غالبية هؤلاء هم مهاجرون اقتصاديون يعانون من البطالة.
وختم بالقول: «نأمَل أن يُتحقّق الحلّ لمشكلات المهاجرين، وسنتابع غيره من القضايا إن أتيحت لنا فرصة في الليالي القادمة، مثل مناهضة العداء للمهاجرين، وعملية التستر وراء هذا التصرف والتحريض ضد إيران والخوف من المهاجرين العالمي. إن شاء الله نحاول أن نفيد الناس من هذه الجلسات بالشرح الحق وتحريك الرأي».
وتابع: «نحتاج أن لا نقتصر على واقعة عاشوراء في عام 61 هـ، بل نستلهمها ونوظّفها عملاً ورسالة في حاضرنا. على المتحدثين والخطباء ورجال التحليل أن ينشطوا لراحة الناس، ولينيروا أمامهم الطرق في هذه الظروف».