وكالة صدای افغان للأنباء (آوا) - مشهد المقدسة:
في الليلة الرابعة من شهر الحزن على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، أقيمت مراسم مهيبة حضرها جمع غفير من محبي أهل البيت (عليهم السلام) في حسينية الشهيد مصباح (رحمه الله) بمدينة مشهد. وقد نُظمت هذه المراسم بجهود مكتب مركز تبيان للأنشطة الثقافية والاجتماعية الأفغانية في مشهد المقدسة، وشهدت استقبالًا واسعًا من قبل المهاجرين الأفغان المقيمين.
في مستهل كلمته بهذه المناسبة، شدد حجة الإسلام والمسلمين السيد عيسى حسيني مزاري، رئيس مركز تبيان، على المكانة الرفيعة لتزكية النفس في المنظومة الدينية والقرآنية، قائلاً: إن موضوع تهذيب النفس يحظى بأهمية كبيرة، لدرجة أن الله تعالى أقسم عليه في سورة الشمس إحدى عشرة مرة.
تزكية النفس تعادل الشمس والقمر في منظومة الخلق
وأشار إلى الآيات الأولى من سورة الشمس قائلاً: إن الله تعالى في هذه السورة أقسم بالشمس ونورها، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، ونفس الإنسان، ثم قال: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا"، أي "قد أفلح من طهّر نفسه"، ويحذّر من أن من يدنّس نفسه، سيلحق به الخسران والهلاك.
وأضاف رئيس مركز تبيان: تحتوي هذه السورة على ثلاث نقاط مهمة؛ الأولى أن الأشياء التي أقسم الله بها، لها أهمية عظيمة، وقد أقسم بها ليُظهر لنا قيمتها. النقطة الثانية، أهمية النفس وتزكيتها، لدرجة أن الله أقسم عليها إحدى عشرة مرة لإبراز مكانتها. وبعبارة أخرى، كما أن الشمس ضرورية لاستمرار الحياة، فإن تزكية النفس ضرورية لحياة الإنسان الروحية.
وتابع حسيني مزاري: أما النقطة الثالثة التي يجب الانتباه إليها، فهي أن الله تعالى قد وهب الإنسان جميع هذه الموارد والإمكانات الطبيعية، من الليل والنهار، والسماء والأرض، والشمس والقمر، ليستفيد منها في سبيل النمو الروحي وبلوغ الطهارة والارتقاء. وأكد: من المؤسف أن يُهدر الإنسان هذه الطاقات العظيمة ولا يوفّق لسلوك طريق التزكية.
وأوضح رئيس مركز تبيان: على المؤمن أن يُدرك قيمة هذه الفرص الإلهية، ويضع نفسه ضمن خطة سليمة للسير نحو الطهارة والسلوك الإلهي، لأنه إن لم يفعل، فسيقع في الغفلة والضلال والخسارة.
الآثار الفردية والاجتماعية لترك تزكية النفس
وفي سياق حديثه، أشار حسيني مزاري إلى آثار ونتائج ترك تزكية النفس في الحياة الفردية والاجتماعية، فقال: إن نسبة كبيرة من البلايا والمشاكل، من أزمات اقتصادية، وخلافات أسرية، وأمراض، وحوادث سير، بل وحتى الوفيات، تعود جذورها إلى الذنوب وعصيان الله. فكثير من الكوارث التي نواجهها، هي نتيجة مباشرة لأعمالنا، ويجب أن نعي هذه الحقيقة، أن الذنب وقلة التقوى لا تؤدي فقط إلى عواقب معنوية، بل تدمّر الحياة الدنيوية أيضًا.
وشدّد على أنه: إذا كنا نرغب فعلاً في حياة عزيزة وكريمة وسعيدة، فعلينا أن نسلك طريق التزكية. هذا الطريق هو السبيل لتحرر الإنسان من المشكلات والدخول في الحياة الطيبة. وخاصة في أيام محرم، هذه الليالي والأيام المفعمة بنور أهل البيت (عليهم السلام)، فهي أفضل فرصة للعودة إلى الذات والاستفادة من الأجواء الروحية لمجالس الإمام الحسين (عليه السلام).
وأكد رئيس مركز تبيان أن التوسل بالإمام الحسين (عليه السلام) هو شرط أساسي للاستفادة من طريق التزكية، وقال: من جهة، يجب أن نجاهد، ومن جهة أخرى نحن بحاجة إلى التوفيق والعناية الإلهية. فإن الاعتماد فقط على التمارين الفردية والرياضات الروحية لا يكفي. فالتزكية تختلف عن رياضات الهنود والمرتاضين. ما يطرحه الإسلام هو مسار السلوك الإلهي، الذي لا يمكن بلوغه إلا بعون الله وشفاعة أهل البيت (عليهم السلام).
و أدام قائلاً: علينا أن ندعو الله في هذه الليالي من أعماق قلوبنا أن يهبنا توفيق التزكية؛ توفيق السيطرة على النفس، واتباع تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، والارتباط بالقيم الإلهية. وإلا فإن جهودنا قد لا تؤتي ثمارها، وننحرف عن الطريق القويم.

بركات الحرب الأخيرة: وحدة داخلية غير مسبوقة / صعود مكانة إيران الإقليمية والدولية
وفي هذه الفقرة من كلمته، أشار سماحة حسيني مزاري إلى الجوانب الإيجابية للحرب الأخيرة، فقال:
"رغم التضحيات التي قدمتها إيران في هذه المواجهة، إلا أن هناك مكاسب عظيمة تحققت. فقد كانت هذه الحرب نعمة ليس فقط للجمهورية الإسلامية، بل للمنطقة، وللعالم الإسلامي، بل وحتى للشعوب الحرّة في أنحاء العالم. لو لم تقع هذه الحادثة، لما توفّرت الفرصة لنيل هذه المكاسب".
وأضاف: "من أبرز هذه المكاسب، الوحدة الوطنية التي تحققت داخل إيران. فقبل الحرب، كانت الساحة السياسية والإعلامية تعيش حالة من الانقسام الحاد. ولكن مع بدء الحرب، اختفت تلك الخلافات، واليوم نشهد حالة من الوحدة النادرة: لا صوتين مختلفين، لا انقسامات حزبية، بل تماسك شعبي ورسمي وإعلامي في جبهة واحدة".
وأشار إلى وعي الشعب الإيراني خلال هذه الأزمة، وقال:
"بينما شاهدنا في دول تدّعي التقدّم كالمملكة المتحدة، كيف اندفع الناس لتخزين السلع عند سماع احتمال اتساع رقعة الحرب، لم نشهد في إيران مثل هذه المشاهد. بل إن الناس، حتى في الأيام الأولى للحرب، تصرفوا بعقلانية وهدوء وثقة في النظام والقوات المسلحة. هذا مؤشر واضح على النضج الاجتماعي لشعب إيران".
كما تطرّق إلى التحول في مكانة إيران الدولية، قائلاً:
"بعد هذا الصراع، لم تضعف مكانة إيران، بل تعززت بشكل غير مسبوق. حتى بعض النخب والمحللين الذين كانوا معارضين أو حتى أعداء، انبهروا بصمود إيران وردّها القوي. كما أن الإعلام في الدول الإسلامية تغيّر بشكل كبير لصالح الجمهورية الإسلامية".
وتابع: "حتى على الساحة العالمية، لقيت إيران دعمًا من الأحرار والمفكرين والمحللين المستقلين. وفي المقابل، صمتت الدول المعادية تقليديًا لإيران كإنجلترا وألمانيا، ولم تتمكن من توجيه أي اتهام، لأن الحقيقة كانت جليّة: إيران تعرّضت لهجوم، ودافعت عن نفسها ضمن القانون الدولي".
وختم بقوله:
"الآن وقد تشكل هذا الوضع الجديد المليء بالعزة، فإن من واجب مسؤولي النظام الايراني أن يحافظوا عليه، ويستثمروه في تعزيز أسس الثورة الإسلامية الايرانية، ونشر رسالة المقاومة، والمضي قدمًا في تحقيق أهداف الإسلام المحمدي الأصيل".
قيام عاشوراء، تجلٍّ عمليٌّ لأمرٍ بالمعروف ونهٍ عن منكر
حسيني مزاري، بالإشارة إلى ظروف اليوم في المجتمعات الإسلامية، أوضح: إن أعظم حاجة التي نواجهها اليوم هي نفسُ الشيء الذي أُقِيمَ من أجله الإمام الحسين عليه السلام؛ أي: مقاومة المنكر والسعي لإقامة المعروف. إن مسألة تزكية النفس هي مقدمة من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم. وإن لم تُزَكَّ النفس، فلن يتمكّن الإنسان من أن يكون حاملاً لراية القيم الإلهية.
قال: „قيام عاشوراء، تجلِّي عمليّ لأمرٍ بالمعروفٍ ونهْيٍ عن منكرٍ كان.“ ونحن أيضًا، بوصفنا شيعة ذلك الإمام، ملزمون بأن نسير في نفس هذا الطريق ونستفيد من لحظات ليالي محرم الطاهرة، لنجعل أنفسنا مستعدين لخدمة دين الله والدفاع عن أهداف نهضة الحسين.
**الحرب الأخيرة ضد إيران كانت مخططًا عالميًّا لإسقاط النظام / توقّف الحرب فُرض على أمريكا وإسرائيل
رئيس مركز تبيان، في استكمال كلمته، تطرّق إلى واحدةٍ من الأمور الهامة جدًا في المجتمع العالمي وإسلام اليوم وقال:
إن الموضوع الثاني الذي أرى من الضروري الحديث عنه الليلة، هو الحرب المفروضة الأخيرة التي حدثت ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حرب لم تكن مجرد من جانب دولةٍ واحدة، بل بقيادة أمريكا وتمثيل الكيان الصهيوني، ومع مشاركة جميع الكفار المحاربين في العالم؛ حرب منظّمة بالكامل واستهدفت إسقاط النظام الإسلامي الإيراني.
أضاف: إن العديد من الأدلة من داخل الأخبار والتقارير تُبيّن أن الهدف الأساسي من هذا الهجوم لم يكن اشتباكًا عسكريًا محدودًا أو ردّ فعل على عمل معين، بل كان تصميمًا على انقلاب كامل ضد الجمهورية الإسلامية. في هذا المخطط، كانت أمريكا وإسرائيل مكلفة بعملية الهجوم والضرب العسكري المباشر، وفي نفس الوقت، كان هناك عملاء نفوذ داخليون ومأجورون مهمتهم إثارة الفوضى والتشنّج داخل البلاد. وكان الهدف تحقيق انهيار النظام بفضل الضغط الخارجي والداخلي معًا وإغلاق قضية الجمهورية الإسلامية إلى الأبد.
شدد حسيني مزاري: بالرغم من أن الجمهورية الإسلامية تكبّدت في اليوم الأول ضربات قوية؛ مثل استشهاد أكثر من عشرين من كبار القادة العسكريين، والعلماء النوويين، وإلحاق ضرر ببعض البنى التحتية الحيوية، إلّا أنّه بفضل الله تعالى، وبفضل رعاية أهل البيت عليهم السلام، وخصوصًا حضرة وليّ العصر عجل الله فرجه، والقيادة الحكيمة والحاسمة لحضرة الإمام الخامنئي دام ظله، إلى جانب مجاهدات القوات العسكرية والأمنية وولاء الشعب، تَمّ إحباط هذا المخطط المعقّد.
أضاف: إن قوات الجمهورية الإسلامية، إلى جانب الدفاع عن حدود البلاد، وجّهت ضربات موجعة إلى نظام إسرائيل وقواعد أمريكا. وكانت النتيجة أن دفعت حربٌ قصيرة المدى بــ تغيير موازين الحرب في غضون أيام. فبينما كان العدو يومَها يُطالب بـ استسلام إيران التام وإنسحاب مسؤولين، فإنّه في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فجأة طلب وقف إطلاق النار من جانب واحد.
ووفقًا له، إن هذا التراجع المفاجئ كان بعد هجمات على قاعدة "العديد" الأمريكية وغيرها من المواقع الحيوية للكيان الصهيوني. وأنهم أرسلوا رسالة عبر قطر يطالبون فيها بوقف الصراع؛ مما يعني أن وقف الحرب لم يُتح عبر مفاوضات، بل فُرض على أمريكا وإسرائيل.
رئيس مركز تبيان أشار إلى اتساع جبهة الأعداء في هذه الحرب، فقال: إن كامل كفر المحارب دخل هذه الحرب؛ من أمريكا وأوروبا إلى أستراليا وكندا، وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية والعصابات الإقليمية. أمّا الجمهورية الإسلامية فقد وقفت بمفردها، وحفظها الله تعالى.
قال بثقة: إننا نؤمن بأن هذا النظام سيظل محفوظًا حتى ظهور حضرة بقية الله عجل الله فرجه الشريف، وأن راية النظام ستُسلّم بيد نائبه مباشرة. هذه عقيدتنا، وليس لدينا شك في ذلك.
في ختام هذه الفقرة، أشار حسيني مزاري إلى الجوانب الإيجابية وبركات الحرب الأخيرة، فقال:
"رغم أن إيران تكبّدت تكاليف متعددة في هذه المعركة، فإن مكتسبات عظيمة تحققت أيضًا. فقد شهدت هذه الحرب نعمة لجمهورية إيران، ولـ المنطقة، والعالم الإسلامي، وحتى الشعوب الحرة عالميًا. ولمّا لم تحدث هذه المسألة، لما تمكّنت من تحقيق تلك المكاسب".
وحدَة الداخل، أهم إنجاز للحرب الأخيرة / ارتقاء مكانة إيران إقليميًا ودوليًا
في استمرار حديثه عن ثمار الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قال:
"رغم أنني لا أملك الوقت الآن للخوض في كل النتائج الإيجابية لهذه الحرب، إلّا أنني أكتفي بذكر نقطةٍ أو نقطتين مهمّتين جدًّا للنظام الإسلامي".
اعتبر أن التماسك والوحدة الداخلية هما النتيجة الأثمن لهذا الصراع، مشيرًا إلى أنه قبل الحرب، سادت أجواء انقسام سياسي وإعلامي، وكان هناك ارتباك عام في فهم القضايا الوطنية. لكن مع اندلاع الحرب، تراجعت كل تلك الانقسامات، وها نحن اليوم نشهد وحدة استثنائية؛ لأننا لم نعد نسمع رأيَن مختلفَين من داخل البلاد. بل أن الشعب، والمسؤولون، والهيئات، والإعلام يقفون في جبهة واحدة.
وأضاف: "أمّا عن وعي الشعب الإيراني في مواجهة هذه الهجمات**، ففي حين شهدت دولٌ متقدمة مثل إنجلترا عملية هجوم الناس على المتاجر وتفريغ الرفوف عند نشر خبر احتمال توسّع الحرب، فإن إيران لم تشهد هذا. بل في الأيام الأولى للحرب، تصرّف الناس بـهدوء وثقة بالنظام وبجهازه العسكري، وتجنّبوا أي ردة فعل انفعالية أو مقلقة. وهذا دليل واضح على النضج الاجتماعي لدى الشعب الإيراني.
وأشار أيضًا إلى تحول مكانة إيران الدولية، فقال:
"بعد هذا الصراع، لم تنخفض مكانة الجمهورية الإسلامية في المنطقة أو في العالم،بل ارتفعت بشكل غير مسبوق. فحتى النخب والمحللون الذين كانوا معتَّرين موقفًا ناقدًا أو حتى عدائيًا، اعترفوا بقدرة إيران على الصمود وردّها القوي. والإعلام في الدول الإسلامية اتخذ موقفًا مؤيدًا لإيران".
وتابع: "وعلى المستوى العالمي، نال النظام دعمًا من المحرّرين والنخب المستقلة والمحللين النزيهين. بينما غضّت الدول المعادية التقليدية لإيران مثل إنجلترا وألمانيا الطرف، ولم تستطع توجيه أي اتهام، لأن الدليل كان واضحًا: إيران تعرضت لهجوم، وكانت دفاعها مشروعًا ضمن إطار القانون الدولي".
واضاف: "الآن وقد تشكّلت هذه الهيبة الجديدة، على مسؤولي النظام أن يحافظوا على هذه الوحدة والاحترام، ويسخروا ذلك لتوطيد دعائم الثورة الإسلامية، ونشر رسالة المقاومة، ودفع غايات الإسلام المحمدي الأصيل إلى الأمام".
العدو بعد هزيمته العسكرية سيعود إلى الحرب الناعمة / أفغانستان تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران
قال رئيس مركز تبيان، خلال مواصلة كلمته، مؤكّداً على ضرورة فهم أبعاد العداء المختلفة التي يشنّها نظام الهيمنة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
"مع أن العدو، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى اليوم، لم يَدّخِر وسعاً في محاولاته لضرب هذا النظام، إلا أنّه ينبغي أن نُدرك أنّ من أبرز أدواته طوال هذه السنوات، كانت – وستبقى – الحرب الناعمة."
وأضاف:
"لقد سعى العدو، عبر كل ما يملك من وسائل إعلامية، وثقافية، ودعائية، ونفسية، إلى تنفيذ عمليات ممنهجة تستهدف الرأي العام، سواء داخل الجمهورية الإسلامية أو خارجها. ومن أبرز أهداف هذه الحرب الناعمة: شق الصفوف بين الجمهورية الإسلامية وبين الشعوب الإسلامية. بل إنّ العدو لا يكتفي بإيجاد مسافة فاصلة فحسب، بل يسعى لخلق تضاد، وكراهية، وقطيعة تامة بين الشعوب وبين إيران."
وأشار حسيني مزاري إلى الدور المحوري لأفغانستان في هذا المشروع، قائلاً:
"من الدول التي تحظى بأهمية استثنائية لإيران في المنطقة، هي أفغانستان. فالمشتركات الواسعة ثقافياً، ومذهبياً، ولغوياً، وتاريخياً، إضافةً إلى الموقع الجغرافي الحساس، والدور الحيوي لأفغانستان في ظلّ ظروف الحصار، قد جعل من هذا البلد شريكاً استراتيجياً للجمهورية الإسلامية. وسوق أفغانستان اليوم تُعَدّ من أهم أسواق المنطقة بالنسبة لإيران."
وتابع قائلاً:
"منذ البدايات الأولى للجمهورية الإسلامية، بذل العدو جهوداً كبيرة لإفساد العلاقة بين إيران وأفغانستان. ففي فترة النظام الجمهوري بأفغانستان، تم تضخيم مشاعر التخويف من إيران بشكل كبير، حيث كانت هناك مؤسسات وشخصيات وجهات إعلامية تعمل - بشكل مباشر وغير مباشر - على تشويه صورة إيران في أذهان الشعب الأفغاني وبث الكراهية تجاهها."
وأضاف رئيس مركز تبيان:
"لقد شهدتُ بنفسي، كيف تشكّل مناخ من الرقابة الذاتية داخل أفغانستان؛ إذ كان بعض الشخصيات ممن أعلنوا ولاءهم لقائد الثورة الإسلامية أثناء زياراتهم لطهران، يعودون إلى كابول ويتصرفون وكأن لا علاقة لهم بالجمهورية الإسلامية. بل إنّ البعض كان يُوصي قائلاً: ’إن أردتَ أن تنشط، فعليك أن تتخلّى عن مواقفك السابقة، أو على الأقل، أن لا تُظهر تأييدك للجمهورية الإسلامية.‘"
وتابع قائلاً:
"هذا الجو المصطنع قد جعل البعض، دون وجود ضغوط مباشرة من أي جهة أمنية، يمارس الرقابة على نفسه بسبب الخوف من أن يُوصم أو يُتهم، ليسلك بذلك الطريق الذي يريده الاستكبار. في المقابل، وداخل إيران أيضاً، كانت هناك بعض الجهات التي تُغذّي مشاعر الكراهية تجاه الأفغان. فنتج عن ذلك احتكاكات بين الشعبين، وتظاهرات في كابول وردود فعل في طهران، وضجيج إعلامي ومواقف دعائية، جميعها صبّت في غير صالح الشعبين المسلمين الجارين."
وأشار حسيني مزاري إلى حضوره النشط، وحضور من يشاركه الفكر، في مواجهة هذه الحرب الناعمة، قائلاً:
"لقد عملنا، في أفغانستان كما في إيران، على مقاومة هذا المشروع، وعلى توعية الناس، حتى لا تتفكّك الروابط العميقة بين الشعبين. ينبغي أن نعلم أن أفغانستان تستطيع – ويجب – أن تكون شريكاً استراتيجياً للجمهورية الإسلامية. غير أن العدو يريد أن يحوّل هذه الفرصة إلى تهديد."
تنامي ظاهرة التخويف من الأفغان داخل إيران
وقال رئيس مركز تبيان متحدثاً عن العلاقات الحالية بين إيران وأفغانستان:
"رغم مرور قرابة أربع سنوات على استلام الإمارة الإسلامية السلطة في أفغانستان، لا تزال هناك محاولات جارية للإضرار بالعلاقة بين الشعبين المسلمين، الإيراني والأفغاني. ومع أن هذه المحاولات داخل أفغانستان قد خفّت كثيراً مقارنة بالماضي، ونجحت الإمارة الإسلامية في ضبط العديد من التوجهات المعادية لإيران، بل وعزلت بعض الشخصيات المتطرفة من مواقعها، إلا أن داخل إيران، ظاهرة الأفغانوفوبيا آخذة في التنامي يوماً بعد يوم."
وتابع:
"للأسف، بعض الجهات، والأشخاص، ووسائل الإعلام داخل إيران، يعملون بشكل منظم ضد المهاجرين الأفغان، بل وحتى ضد أفغانستان ذاتها، دون أن يُقابل هذا الهجوم بأي رد رسمي حتى الآن."
وأردف حسيني مزاري مؤكداً:
"لم أشهد أن جهة أمنية أو قضائية في إيران قد استجوبت هؤلاء أو حتى وجّهت إليهم ملاحظة. مع أنّ ما يفعلونه لا يخالف المصلحة الوطنية فحسب، بل يُلهب المشهدين الاجتماعي والسياسي أيضاً."
وانتقد في هذا السياق صحيفة "الجمهورية الإسلامية"، قائلاً:
"هذه الصحيفة، التي يديرها السيد مسيح مهاجري، أصبحت في السنوات الأخيرة رائدة الخطاب المعادي لأفغانستان، وللأسف، من خلال نشرها لمقالات نارية، ومعلومات غير صحيحة، وتحريضية، أسهمت في خلق موجة من الكراهية وعدم الثقة تجاه المهاجرين والشعب الأفغاني."
وأشار إلى لقائه مع مدير هذه الصحيفة قائلاً:
"التقينا بالأستاذ مهاجري في طهران، وقلنا له بصراحة: ’أخي، ما تكتبه أنت، نحن ندفع ثمنه في أفغانستان. هذه الكلمات تؤذي أعين شيعة أفغانستان. لا هي في مصلحة الدين، ولا الجمهورية الإسلامية، ولا السياسة، ولا الحكمة.‘ ولكن، للأسف، لم يتغير شيء، واستمر مسلسل التشويه بحق أفغانستان."
وأضاف:
"كما سعينا للحوار مع وسائل إعلامية أخرى تتخذ نفس النهج، مثل موقع ’تابناك‘ الإخباري، الذي يُعد من أبرز المواقع التي تنشر محتوى ضد المهاجرين، ولكن للأسف، لم تُثمر هذه المساعي عن نتائج إيجابية."
وأكد قائلاً:
"استمرار هذا النهج خلق مناخاً مرعباً داخل المجتمع الإيراني، وأثر هذا التصعيد الإعلامي بدأ ينعكس على القرارات الحكومية. فالتضييق المتزايد مؤخراً على المهاجرين الأفغان، جاء في سياق هذا الموج الإعلامي، وكأنّه قد أُضفي عليه شرعية من خلاله."
نحن لا نعارض عودة المهاجرين، لكن يجب أن تكون بكرامة وإنسانية / لا تُعمِّموا اعترافات التلفاز
وأشار رئيس مركز تبيان إلى الحملة الأخيرة لإعادة المهاجرين من إيران، قائلاً:
"نحن لا نعارض عودة المهاجرين غير الحاملين للوثائق القانونية. فلكل دولة قوانينها، وإذا كان البعض لا يملك أوراق إقامة، فمن الطبيعي أن يُعاد إلى بلده. لكن ينبغي أن تتم هذه الإعادة بشكل تدريجي، وبما يصون الكرامة الإنسانية."
وأضاف:
"أن يتم ترحيل الآلاف فجأةً، وبدون تخطيط، هو أمر يخلق أزمات لكل من الجمهورية الإسلامية والحكومة الأفغانية. ففي الأسبوع الماضي وحده، دخلت موجة هائلة من المهاجرين إلى هرات، وخلقت أوضاعاً مأساوية هناك. إنّ القرارات المفاجئة لا تخلق سوى الأزمات، كما أنها تجرح مشاعر الملايين من المهاجرين."
وانتقد حسيني مزاري الإهانات التي يتعرض لها المهاجرون أثناء الاعتقال، قائلاً:
"إذا تم القبض على لاجئ لا يحمل وثائق، فهل يجوز أن تُهان كرامته؟! أخي، هؤلاء ليسوا شخصين أو مئة، أنتم تقولون إنهم ستة ملايين، وبعض التقديرات – وإن كانت مبالغاً فيها – تتحدث عن 17 مليوناً. وهذا يعكس حساسية هذا الموضوع اجتماعياً."
وختم محذّراً:
"إذا تم التعامل مع المهاجرين بقسوة، ودون تدبير، فما الذي سيبقى في نفوسهم من مشاعر تجاه إيران والجمهورية الإسلامية؟! نحن لا نؤيد بقاء المهاجرين بشكل غير منظم، ولا تراكمهم دون إدارة، لكننا في الوقت ذاته نرفض التصرفات العنيفة وغير العقلانية. ينبغي أن نتمسك بنظرة متوازنة وإنسانية في آنٍ واحد."
لا تحكموا على أمةٍ بأكملها بسبب أربعة جواسيس؛ أربعة لا يطعنون في ستة ملايين مهاجر
وأشار السيد حسيني مزاري، في سياق حديثه، إلى بعض الحملات الإعلامية الأخيرة، قائلاً:
"بعد الحرب الأخيرة، اتّهمت بعض الوسائل الإعلامية والتيارات المعادية للمهاجرين في إيران، الأفغان بالتجسس، بل وعُرض في الإعلام الرسمي عددٌ من الأشخاص وُصفوا بأنهم جواسيس لإسرائيل."
وتابع قائلاً:
"إن كانوا حقاً جواسيس، فليُحاسبوا. لا أحد يعارض ذلك. لكن السؤال الجوهري: لماذا فقط في هذه الحالات تم الكشف عن هويتهم وجنسيتهم؟! هل تم التعامل بنفس الطريقة مع جواسيس من جنسيات أخرى تم اعتقالهم سابقاً؟!"
وأوضح قائلاً:
"نحن لا نقول أطلقوا سراحهم، بل على العكس، نحن مع محاكمة كل مجرم. ولكن فلتكن المعايير عادلة ومنصفة. وأنا أطالب بصراحة من الأجهزة الأمنية في الجمهورية الإسلامية أن تعلن بالأرقام: كم مهاجراً أفغانياً تم اعتقاله بتهم أمنية؟ عشرة؟ عشرون؟ مئة؟! وإن كانت هذه الأعداد أقل من واحد بالمئة من مجموع المهاجرين، فلماذا يُروَّج وكأن كل مجتمع المهاجرين الأفغان يشكل تهديداً أمنياً؟!"
وأضاف:
"نحن نطالب الجهات الأمنية بأن تعلن بصراحة كم مهاجراً أفغانياً تم توقيفه بتهمة التجسس؟! ولماذا تُنسَب خيانات قلّةٍ إلى شعبٍ بأكمله؟! أين تُصرف تضحيات الآلاف من المهاجرين؟! الشهداء الذين سقطوا في العراق وسوريا، أليست تضحياتهم عظيمة؟!"
وأكد قائلاً:
"إن ارتكب أحد المهاجرين جريمة، فليُحاكم علناً ويُنفَّذ فيه حكم القانون. نحن نؤيد محاكمة المذنبين، لكننا نرفض التعميم الظالم على أمة بأسرها. لا يجوز أن يُنظر إلى ملايين المهاجرين الكادحين، المتعلمين، والموالين، على أنهم أعداء."
الجمهورية الإسلامية ليست فقط للإيرانيين، بل لكل العالم الإسلامي ولكل الأحرار في العالم
وقال حسيني مزاري:
"نحن من أنصار هذا النظام. هذا النظام ليس ملكاً للإيرانيين فقط، بل هو ملكٌ لكل العالم الإسلامي، وملكٌ لكل البشرية التي تنشد الحرية. عندما ندافع نحن في أفغانستان – أو في خارجها – عن الجمهورية الإسلامية، فإنّما ندافع عنها لا لأجل قومية أو جنسية، بل لأجل الدين، والمذهب، والمبدأ، والرسالة الإسلامية. لأننا نعلم أن هذا النظام، بقيادة الولي الفقيه، يُجسد خط الإسلام الأصيل، ويقدّم الشهداء فداءً له."
وأضاف:
"في هذه الحرب الأخيرة، أصدرنا مواقفنا وبياناتنا مراراً، وقلنا بوضوح: إذا وُضعت على عاتقنا مسؤولية في مواجهة الاستكبار والصهيونية، فنحن مستعدون فوراً."
لا تعيدوا إنتاج خطاب العدو الإعلامي / حتى بعض الثوريين وقعوا في الفخ
وانتقد رئيس مركز تبيان بعض وسائل الإعلام والقنوات التلغرامية ذات الطابع الثوري، قائلاً:
"قرأتُ البارحة منشوراً لأحد الشخصيات المعروفة بين الثوريين، وكان صادماً لي. كنت من المتابعين لقناته، لكنه الآن يروّج لمقولاتٍ أشدّ من تلك التي قالها خصوم الجمهورية سابقاً، الذين زعموا أن هناك مليونين من الجواسيس بين المهاجرين!"
وأضاف:
"بعض القنوات والمجموعات الإعلامية التي كانت قبل الحرب نشطة في معاداة المهاجرين، أصبحت مقاطعها تتداول الآن في الأوساط الثورية! هذا هو امتداد دقيق لخطة العدو؛ حرب ناعمة موجّهة تهدف إلى تمزيق العلاقة بين الشعب الإيراني والمهاجرين الأفغان."
لا شعب في العالم يناصر الجمهورية الإسلامية كالشعب الأفغاني
وأكد حسيني مزاري على عمق العلاقة بين الشعب الأفغاني والجمهورية الإسلامية قائلاً:
"اليوم، لا يوجد شعب في العالم بمستوى وفاء الأفغان للجمهورية الإسلامية. ونحن حقاً قلقون من أن يُستغل هذا الوضع ليتمكن الأعداء من زرع الفرقة بين الشعب الأفغاني وهذا النظام المبارك. لا ينبغي أن نسمح بخلق بيئة مسمومة."
الحرب الناعمة... استمرارٌ لمشروع العدو في تفكيك المنطقة
وفي تلخيصٍ لما سبق، عاد رئيس مركز تبيان إلى التحذير من الحرب الناعمة قائلاً:
"منذ البداية، تبنّى أعداء الثورة الحرب الناعمة كإستراتيجية مركزية. هدفهم الدائم كان تضعيف الجمهورية الإسلامية وزرع الانقسامات في المنطقة. سَعَوا لتوتير علاقات إيران مع العراق، مع أذربيجان، مع أفغانستان، مع تركيا، مع باكستان، بل وحتى مع الدول العربية."
وتابع:
"وفي العراق مثلاً، رأينا في السنوات الأخيرة كيف خُطِّطت بعناية تظاهراتٍ ضد إيران. هذا المشروع يعمل كذلك في أوروبا وأميركا، ويسعى لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية باستمرار."
الدفاع الإيراني في الحرب الأخيرة أسقط أكذوبة "إيرانوفوبيا"
وأشار إلى تغير المعادلات بعد الحرب الأخيرة قائلاً:
"لكن الحرب الأخيرة، التي أطلقها الاستكبار العالمي بكل ما لديه من قوة، ووقفت في وجهه شجاعةُ قائد الثورة، وصمودُ الشعب، وبسالةُ القوات المسلحة، قد غيّرت الموازين."
وأضاف:
"اليوم، نستطيع القول بثقة إن موجة التخويف من إيران قد انحسرت عالمياً. الجمهورية الإسلامية تقف على قمة العزة، وقائدها العظيم، الإمام الخامنئي (حفظه الله)، أصبح بحق رمزاً عالمياً كبيراً."
تحذير من الحرب الناعمة ضد المهاجرين والرأي العام الأفغاني
وأكّد حسيني مزاري قائلاً:
"رسالتي للمسؤولين في الجمهورية الإسلامية: لا تسمحوا للعدو بأن يحرّف الرأي العام في أفغانستان، سواء داخل البلد أو في صفوف المهاجرين. لا تسمحوا بأن يُشوَّه وجه الثورة في نظر هذا الشعب الذي لطالما وقف في صف الولاية والثورة."
وأضاف قائلاً:
"نحن لا نعارض عودة المهاجرين، ولكن يجب أن تتم هذه العودة بتدرج، ووفق نظام، ومع حفظ الكرامة الإنسانية. لا ينبغي كسر كبرياء المهاجر، لا الوطني ولا الشخصي. فصفعة الإذلال الناعم، أشدّ من طعنة السيف، وألمها لا يزول."
نداء إلى الجمهورية الإسلامية: عززو الروابط مع الشعب الأفغاني واحبطوا مؤامرات العدو
وختم رئيس مركز تبيان حديثه بالقول:
"نطالب الجمهورية الإسلامية أن تدير العلاقة مع الشعب الأفغاني بحكمة، وتقطع الطريق أمام استغلال الأعداء. علينا أن نمنع هذه الحرب الناعمة من أن تُصيب محبّي الثورة بالأذى. وبإذن الله، هذا المناخ الإيجابي، وهذه النظرة المشرقة تجاه الجمهورية الإسلامية، ستزداد يوماً بعد يوم بين شعوب المنطقة، وخاصة في أفغانستان."
وختم بالدعاء قائلاً:
"نسأل الله أن تبلغ الجمهورية الإسلامية، بالتعاون مع الدول الإسلامية، وعلى رأسها أفغانستان، قمة العزة والقيادة في الأمة، وأن تُرسى من خلالها بنية عالمية جديدة، وتُمهَّد الأرضية لظهور مولانا صاحب العصر والزمان (عج)، وأن نُمنح نحن أيضاً شرف الشهادة في ركابه الطاهر."