وكالة صدای افغان للأنباء (آوا) – مشهد المقدسة
وفي كلمته التي ألقاها خلال مراسم ليلة الثامن من محرم، التي نظّمها مركز تبيان في حسينية الشهيد مصباح (رحمه الله) بمدينة مشهد، بحضور واسع من اللاجئين الأفغانستاني من مختلف القوميات والتيارات، شدّد حسيني مزاري على أن محرم ليس مجرد مناسبة عزائية، بل هو فرصة ثمينة لمراجعة الذات، وإصلاح الحياة الفردية والاجتماعية، وتعزيز القيم الإسلامية، وبعث الأخلاق الاجتماعية في الأمة.
وقال: "من أهم دروس عاشوراء هو التمسك بالعفة والغيرة والكرامة الإنسانية، وهي قيم بلغت ذروتها في سيرة السيدة زينب (س)، رغم أقسى الظروف التي مرت بها أثناء الأسر والمحن".
وأوضح أن العفة في الثقافة الإسلامية لا تقتصر على الحجاب الظاهري، بل تشمل الكلام، والنظر، والسلوك، وطريقة التفاعل الاجتماعي، مضيفاً: "المجتمع الذي يُرسّخ هذه القيم في داخله، سيكون حصيناً أمام الحروب الناعمة التي يشنها العدو".
كما تناول رئيس وكالة صدای افغان للأنباء (آوا) الواقع الاجتماعي والثقافي الحالي، محذراً من أن الفساد والانحلال الأخلاقي لم يعدا ظاهرة فردية، بل باتا منظومتين ممنهجتين تُداران من قبل أعداء الأمة، وتسعيان لتدمير المجتمعات من الداخل. وقال: "وسائل الإعلام، ومواقع التواصل، والموسيقى، واللباس المستورد، والمناهج التعليمية، كلها أدوات تستعمل لإسقاط المجتمع من الداخل".
وأشار إلى أن "غياب الغيرة عند الرجال، وتخلي النساء عن العفة، يجعل العدو في غنى عن السلاح لاحتلال البلاد، فهو قادر على إخضاعها دون طلقة واحدة".
واستعرض حسيني مزاري كتاباً بحثياً تناول الفساد في أفغانستان، مشيراً إلى أن الفساد في النظام السابق لم يكن مالياً وإدارياً فقط، بل كان أخطر من ذلك: فساداً أخلاقياً وإعلامياً وثقافياً حرق المجتمع من داخله.
وتابع: "في الماضي، كان العدو يستخدم الجيوش والسلاح للسيطرة، أما اليوم، فيستعمل الأفلام، والمسلسلات، والمحتوى الرقمي، وأنماط الحياة المنحطة لقتل الغيرة، وتدمير الإيمان، وتفكيك الأسر، وما إن تنهار الأسرة، حتى يسقط المجتمع بأكمله".
وأكد أن ثقافة عاشوراء تمثل الوصفة المنقذة للمجتمعات الإسلامية، مضيفاً: "إذا أردنا بناء مجتمع نقي ومتكامل، فعلينا أن نستقي مفهوم العفة من سيرة أهل البيت (ع)، وعلى رأسهم السيدة زينب الكبرى (س)، التي كانت مثالاً للصبر والكرامة والعفاف حتى في أقسى الظروف".
وقال أيضاً: "العفة فضيلة اجتماعية تتجاوز مسألة الحجاب. والمجتمع الذي يرسخ العفة بين أفراده، سيكون أكثر قدرة على مقاومة التحديات الثقافية والتهديدات الناعمة".
وشدّد على أن انعدام العفة لا يفضي فقط إلى الانحلال الأخلاقي، بل يؤدي إلى اختلالات اجتماعية خطيرة مثل التعدي على الجيران، وانعدام قابلية التوجيه والنصيحة.
وأضاف: "الفساد المالي الضخم الذي شهدناه في النظام السابق، كان نتيجة مباشرة لغياب ثقافة العفة والتدين. ولمنع تكرار هذه الكوارث، لا بد من تقوية الإيمان والعفة في المجتمع".
وفي انتقاده لبعض الرجال الذين يتهاونون بشأن حجاب نسائهم، قال: "الحجاب مسؤولية مشتركة بين النساء والرجال، وعلى الرجال ألا يكونوا غير مبالين تجاه حجاب زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، لأن هذا التهاون هو أحد أسباب تفشي الفساد".
وأشار رئيس مركز تبيان إلى أن ثقافة عاشوراء تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على سلامة المجتمع، مؤكداً أن "التمسك بقيم عاشوراء هو السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع من براثن الانحراف والانهيار، والمجتمع المتمسك بعاشوراء لن يضل الطريق حتى في أحلك الظروف".
وختم بقوله: "قابلية المجتمع لتلقي النصيحة، مقياس لصحته الثقافية. والمجتمع الذي لا يُصغي للموعظة، لا يمكن إصلاحه. وعلى المهاجرين أن يكونوا في طليعة من يستجيب للنصيحة الدينية والأخلاقية".
كما شدد حسيني مزاري على ضرورة احترام الجار، قائلاً إن إيذاء الجيران نوع من الفساد الاجتماعي الذي يجب إصلاحه، وأن شهري محرم وعاشوراء يمثلان فرصة ذهبية لإحياء القيم الدينية والأخلاقية.
ودعا المهاجرين إلى تنظيم برامج ثقافية وتربوية ودينية لتعزيز ثقافة العفاف والإيمان لدى الجيل الجديد، ونقل قيم عاشوراء للأجيال القادمة.
وأشار إلى فلسفة نهضة الإمام الحسين (ع) قائلاً: "الهدف من نهضة الإمام الحسين (ع) كان الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والعدالة، والعفاف جزء لا يتجزأ من هذه المبادئ. وعلى المرأة المسلمة أن تقتدي بالسيدة زينب (س) في الثبات والصبر، وأن تبقى عماد الأسرة".
وأطلق مزاري تحذيراً من "خطة عدوانية بطيئة" ينفذها العدو لتدمير العفة، مشبهاً الأمر بضفدع يُطبخ تدريجياً في ماء ساخن، حيث يُخشى أن ينحدر المجتمع في الانحلال من دون أن يشعر. وقال: "مواجهة هذا التهديد تتطلب وعياً، وتخطيطاً، ودفاعاً مدروساً عن القيم الدينية".
وأضاف: "المجتمع الذي يفقد عفته، يصبح هشاً أمام الأعداء. ولا سبيل لاستعادة السلامة الثقافية إلا بالعودة إلى ثقافة عاشوراء وتعزيز التربية الدينية والأخلاقية لدى الأجيال القادمة".
وفي إشارته إلى الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الفساد، قال: "الفساد المالي يؤدي إلى تدمير موارد الدولة، وزيادة الفقر والبطالة، ويؤثر بشكل مباشر في حياة الناس. لا يجب أن نصمت أمام الفساد، بل علينا مواجهته بشجاعة وشعور بالمسؤولية".
وختم حسيني مزاري بالتأكيد على ضرورة دعم وتفعيل المراكز الثقافية والدينية، مشيراً إلى أن "هذه المراكز يجب أن توفّر بيئة آمنة وسليمة لتربية الشباب، وأن تجمع بين التعليم الديني وتنمية المهارات الحياتية، وتعليمهم كيفية مواجهة التحديات الاجتماعية. وبدون هذا الدور الفاعل، لا يمكن تحقيق الأهداف الثقافية".
وفي ختام كلمته، دعا الشباب إلى القراءة والبحث في ثقافة عاشوراء، مؤكداً أن "الفهم العميق لهذه الثقافة هو مفتاح مكافحة الفساد وإصلاح المجتمع"، مشدداً على دور العلماء والخطباء في نقل مفاهيم عاشوراء بأسلوب بسيط ومؤثر، والتكاتف في مواجهة الهجمة الثقافية الشرسة.