ما الذي تغير؟ نتنياهو الذي كان في زيارة إلى أمريكا ويصفق له أعضاء الكونغرس بشكل مستمر، لكن في زيارته الأخيرة كانت الأمور مختلفة تمامًا؛ فقد أصيب بصدمة أثناء حديث ترامب عن المفاوضات مع إيران، وانهى رحلته مبكرًا قبل الموعد المحدد. هل هذه المرة يسعى الأمريكيون حقًا إلى اتفاق سلام، أم أنهم يبحثون من خلال ذلك عن وسيلة لفرض مطالبهم – التي تتمثل في استسلام إيران وإخضاعها؟
في نهاية المطاف، وبعد سلسلة من التوترات في العام ونصف العام الأخير، والأحداث الغريبة التي شهدها غرب آسيا بسرعة البرق، تصاعدت التوترات بين الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وجبهة المقاومة التي تقودها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل كبير؛ بحيث تحمل كلا الجانبين تكاليف ثقيلة.
طرف الأمريكي بدعم قوي من الكيان الصهيوني، دخل الساحة بكل قوته، لكن لم يحقق أيًا من مطالبه المزعومة. تم كسر هيبته، وانهارت مزاعمه حول عدم قابليته للهزيمة لأنظمته الدفاعية المتقدمة، وتعرض لخسائر بشرية ومادية ضخمة. كما شهدت الأراضي المحتلة هروب رؤوس الأموال والهجرة العكسية.
ومع ذلك، فإن الأضرار التي لحقت بجبهة المقاومة ضد الاستكبار – لأنّها كانت في مرأى الإعلام وسمعه العامة – قد جعلت هذه الجبهة تبدو ضعيفة ظاهريًا، على الرغم من أنها في الواقع كانت تسجل انتصارات حقيقية.
الاتفاقات التي حدثت في هذا الجانب من الجبهة، مثل: استشهاد الشهيد سيد إبراهيم رئيسي، رئيس جمهورية إيران الإسلامية، والشهيد حسين أميرعبداللهيان، وزير الخارجية الإيراني، في 30 من شهر ثور/أرديبهشت 1403؛ ومن ثم، تولي حكومة بزشكیان بمنهج معتدل؛ اغتيال القائد السياسي لحركة حماس، جناب إسماعيل هنية، في قلب طهران في 10 من شهر أسد/مرداد 1403؛ وحادثة (البيجرات) في 27 من شهر سنبله/شهريور 1403 التي استشهد فيها نحو 42 شخصًا، من بينهم 12 مدنيًا، وأصيب حوالي 3000 آخرين؛ الإزالة الجسدية لقادة حزب الله الكبار في فترة زمنية قصيرة؛ اغتيال شخصية بارزة في الجهاد والمقاومة، الشهيد سيد حسن نصرالله، في 6 من شهر ميزان/مهر 1403، وبشكل فوري إزاحة خليفته الشهيد سيد هاشم صفيدين؛ وكذلك اغتيالات واستشهاد قائد حماس البطل، جناب يحيى السنوار، في غزة في 26 من شهر ميزان/مهر 1403؛ ومن ثم، سقوط سريع لسوريا في أيدي الإرهابيين المدعومين من تركيا بالتعاون مع أمريكا والكيان الصهيوني في 18 من شهر قوس/آذر ـ كل ذلك جعل العدو يعتقد أن جبهة المقاومة قد ضعفت، وأن الوقت قد حان للهجوم على محور المقاومة الرئيسي، أي جمهورية إيران الإسلامية، وأنه حان الوقت لتصفية الأمر كما يظنون.
عندما جاء ترامب إلى البيت الأبيض وبدأ في تصريحاته الحادة ضد حماس، من خلال (فتح أبواب الجحيم) وتحذيره من حدوث أحداث سيئة للجمهورية الإسلامية إذا لم تمتثل لمطالب أمريكا، وأدى عرض وسائل الإعلام له في لقائه مع زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، واستئناف الهجمات الجوية ضد اليمن، وكذلك تهديد إيران بالهجوم العسكري عن طريق إرسال الأسلحة العسكرية وأنظمة الدفاع الجوي تاد و باتريوت إلى بعض القواعد العسكرية في غرب آسيا، وإرسال الطائرات والقاذفات الاستراتيجية إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، والتي كانت جميعها تهدف إلى التهديد، والترهيب، وخلق الخوف بين المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإجبارهم على الاستسلام والامتثال دون قيد أو شرط لمطالب أمريكا. ومع ذلك، غفلوا عن أن هذا التصرف كان خطأً حسابياً فادحاً.
بعد من تصريحات الإمام خامنئي (حفظه الله)، التي اعتبر فيها المفاوضات (بطريقة التي كان ترامب يقصدها) غير حكيمة وغير أخلاقية وغير مشرفة، وأكد في خطبته في صلاة عيد الفطر على مواقفه، مهدداً الولايات المتحدة وحلفاءها بالرد الصارم والمُؤلم في حال حدوث شر أو فتنة سواء من الخارج أو داخل البلاد؛ من ناحية أخرى، وبعد قيام القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية بإجراء تدريبات عسكرية متتالية وكشفها عن المدن الصاروخية الضخمة في أعماق الأرض، أدرك ترامب والسياسيون الأمريكيون المتوهمون أن تصورهم للجمهورية الإسلامية كان خاطئًا تمامًا.
وهنا يكتب ترامب خطابًا إلى المسؤولين الإيرانيين، موجهًا رسالة سرية، قائلاً إنه مستعد للدخول في محادثات مع إيران على مستوى شبه متساوٍ. ومن هنا، فإن ما حدث في مسقط وما يُتوقع أن يستمر، بعيدًا عن أي نتائج نهائية له، هو اختبار للإرادات الصلحوية والمطالبة بالحرب على حد سواء.
على الرغم من الظروف الإقليمية والدولية، والأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة، والمواقف التي اتخذتها الدول الإقليمية، وتحليلات الخبراء الاقتصاديين والعسكريين في أمريكا حول العواقب الخطيرة للصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن ذلك يبشر باتفاق ـ حتى وإن كان محدودًا ـ كما أن كلا الطرفين في المفاوضات، بالإضافة إلى المستضيف والوسيط، عمان، قد قيموا المحادثات غير المباشرة يوم السبت بأنها كانت إيجابية، وأكد السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، أن الطرفين اتفقا على تحديد إطار للمفاوضات المقبلة.
من ناحية أخرى، تعبر هذه الجلسة عن قدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تشكيل مسار الأحداث، وأيضًا عن قدرتها وطاقتها في تغيير السياسات العدائية ضد الشعب الإيراني، اعتمادًا على العزيمة والإرادة الوطنية، بالإضافة إلى إظهار قوتها العسكرية والأمنية.